الخط الساخن | بلدة الطيبة بعد العدوان.. جراح الحرب لا توقف مسيرة الصمود
على بُعد كيلومترين فقط من فلسطين المحتلة، تقف بلدة الطيبة في قضاء مرجعيون كخط أمامي في مواجهة العدو الإسرائيلي، حيث كانت شاهدة على تدمير ممنهج طال بنيتها التحتية ومنازلها ومؤسساتها خلال العدوان الأخير. لكن رغم هذا الدمار، لم يستطع العدو أن ينتزع منها إرادة الصمود، حيث بدأ أهالي الطيبة بالعودة إليها، رغم قساوة المشهد وغياب الكثير من مقومات الحياة الأساسية.
في جولة لفريق “الخط الساخن” في البلدة، التقى الفريق بعدد من المسؤولين وأبناء البلدة، حيث استعرضوا حجم الأضرار التي لحقت بها، إلى جانب الجهود المبذولة ضمن خطة إعادة الإعمار وفتح الطرقات وإعادة تأهيل المراكز الخدمية، مؤكدين أن العودة إلى البلدة ليست خيارًا، بل التزامٌ بالمقاومة والصمود.
رئيس البلدية: الطيبة تدفع الثمن ولكنها لا تستسلم
في مستهل الجولة، التقى الفريق برئيس بلدية الطيبة، الأستاذ عباس دياب، الذي تحدث عن أهمية البلدة من حيث الموقع الجغرافي، والكثافة السكانية، وعدد الوحدات السكنية والمؤسسات التجارية. وأوضح أن 80% من المنازل والمؤسسات قد تضررت، سواء دُمرت بالكامل أو أصيبت بأضرار جسيمة، مشيرًا إلى أن العدو الإسرائيلي لم يستطع دخول البلدة خلال العدوان، لكنه استغل فترة الهدنة ودخلها خلال مهلة الستين يومًا، حيث فجّر العديد من المنازل والمرافق الحيوية في محاولة لعزلها عن محيطها وعرقلة عودة الأهالي إليها.
لكن رغم ذلك، أصر أبناء البلدة على البقاء، وأكد دياب أن البلدية كانت من أوائل الجهات التي تحركت بعد وقف إطلاق النار، حيث عملت على فتح الطرقات، تسهيلًا لعودة السكان وتأمين حركة الدخول والخروج من وإلى البلدة.
الكهرباء والمياه: بنية تحتية مدمرة تحتاج إلى إعادة تأهيل
تحدث رئيس البلدية عن الدمار الذي طال شبكات المياه والكهرباء، موضحًا أن شبكة الكهرباء معطلة بالكامل، ومن المنتظر أن تبدأ شركة مقدمي خدمات “مراد” المعنية بصيانة شبكات الكهرباء بإعادة تشغيل الشبكة في الفترة المقبلة.
أما فيما يتعلق بالمياه، فقد أشار إلى أن مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، المسؤولة عن تغذية البلدة بالمياه عبر محطتين رئيسيتين، تستعد لإعادة تأهيل الشبكات، حيث سيتم إصلاح الأعطال ومد شبكات جديدة لضمان وصول المياه إلى كافة المنازل، خاصة مع عودة السكان إلى منازلهم رغم الدمار الكبير.
عائلات تعود رغم الدمار.. صمود في وجه الاحتلال
رغم الظروف الصعبة، عادت 50 عائلة للسكن في البلدة بشكل دائم، حيث قاموا بتغطية نوافذ منازلهم المتضررة بألواح النايلون بدل الزجاج، مؤكدين أنهم لن يغادروا أراضيهم مهما كان حجم الدمار.
إلى جانب العائلات المقيمة، هناك سكان آخرون يأتون يوميًا إلى البلدة، إما لإعادة فتح مؤسساتهم التجارية، أو لترميم ممتلكاتهم المتضررة، ثم يعودون عند المساء إلى أماكن سكنهم المؤقتة في انتظار تأهيل منازلهم مجددًا.
المراكز الخدمية: استهداف ممنهج طال كل مقومات الحياة
لم يقتصر العدوان على المنازل والمحال التجارية، بل استهدف بشكل مباشر المراكز الخدماتية والاجتماعية والصحية، حيث دُمرت بالكامل مراكز حيوية مثل:
– مجمع الزهراء (ع) الصحي
– قاعة الحسينية
– قاعة المحاضرات
– مركز الدفاع المدني
– مركز الشؤون الاجتماعية
أما مبنى البلدية، فقد تعرض لأضرار كبيرة في الداخل والخارج، لكنه لا يزال قائمًا، وهو ما مكّن البلدية من لعب دور رئيسي في عمليات الإغاثة وإعادة التأهيل الأولية.
جهاد البناء: جهود متواصلة لمسح الأضرار وتعويض الأهالي
بمجرد انسحاب العدو الإسرائيلي من البلدة، بدأت مؤسسة جهاد البناء الإنمائية عمليات المسح والكشف على الأضرار، لتحديد حجم الخسائر والبدء في تعويض المتضررين.
وفي لقاء مع الأستاذ جواد قشمر، مندوب مؤسسة جهاد البناء في بلدة الطيبة، أوضح أن الفرق الهندسية التابعة للمؤسسة نجحت حتى الآن في مسح حوالي 1,000 وحدة سكنية من أصل 3,000 وحدة مستهدفة، مؤكدًا أن العمل يجري بشكل يومي وبوتيرة متسارعة لضمان إنجاز المسح في أسرع وقت ممكن.
وأشار صبرا إلى أن فرق جهاد البناء تتواجد بشكل يومي في مبنى المكتبة في ساحة البلدة، حيث تستقبل طلبات الكشف والمسح، كما أنها تعمل على تسهيل مراجعات المواطنين لضمان شفافية وسلاسة الإجراءات.
الدفاع المدني: جهود جبارة لفتح الطرقات ورفع الأنقاض
إلى جانب عمليات الإعمار، كانت فرق الدفاع المدني التابعة للهيئة الصحية الإسلامية تعمل بلا توقف منذ انسحاب العدو، حيث التقى فريق “الخط الساخن” بالسيد صالح الشرقاوي، مسؤول الدفاع المدني في منطقة وادي الحجير، الذي كان يشرف مع فريقه على فتح الطرقات ورفع الأنقاض والبحث عن جثامين الشهداء.
وأشار الشرقاوي إلى أن العدو الإسرائيلي انتهك كافة القوانين الدولية باستهداف المستشفيات والمراكز الصحية، حيث قصف مستوصف الزهراء (ع) ومركز الدفاع المدني في البلدة مباشرة، رغم أنه كان يضم طواقم طبية ومسعفين.
وأكد أن فرق الدفاع المدني كانت موجودة في الميدان طوال فترة العدوان، رغم المخاطر الجسيمة، حيث عملت على إطفاء الحرائق، فتح الطرقات، وإنقاذ المصابين، وهي مستمرة حتى اليوم في جهودها لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في البلدة.
عودة الحركة الاقتصادية رغم الدمار
مع بدء عمليات الترميم، بدأ أصحاب المحال التجارية في العودة إلى أعمالهم، حيث أعاد البعض فتح محال البقالة، المقاهي، وحتى محلات الحلاقة، في خطوة تهدف إلى تنشيط الحركة الاقتصادية مجددًا.
لكن رغم هذا الحراك، لا يزال الأهالي ينتظرون تسريع عملية دفع المستحقات لتعويضهم عن الأضرار، كي يتمكنوا من إعادة إعمار منازلهم بشكل كامل، والعودة نهائيًا إلى حياتهم الطبيعية.
الطيبة.. الأرض التي لا تنكسر
من دمار المنازل إلى استهداف المراكز الخدمية، حاول العدو الإسرائيلي أن يحوّل بلدة الطيبة إلى مدينة مهجورة، لكنه فشل كما فشل في كل محاولاته السابقة.
اليوم، ومع عودة الأهالي، وانطلاق عمليات الإعمار، وإصرار الجميع على الصمود، تثبت الطيبة أنها أرض لا تُهزم، وأهلها لا يتركونها، وأن المقاومة ليست فقط في ساحة القتال، بل أيضًا في إعادة بناء ما دمّره العدو، والاستمرار في الحياة رغم كل التحديات.